مــنــتــدى مـــلـــتـــقــى الأحـــبــاب دعــــوة بــــــلا حــــــدود
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.


اعلم أن: غذاء القلب العلم والحكمة وبهما حياته كما أن غذاء الجسد الطعام ومن فقد العلم فقلبه مريض وموته لازم لآن قليل العلم يؤدى الى الزندقه والكثير منه يؤدى الى الايمان قال تعالى (إنما يخشي الله من عباده العلماء) * مرجبا بكم فى منتدى ملتقى الأحباب *
 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 من ضوابط فهم النص الشرعي

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
elsafy
Admin
elsafy


المساهمات : 247
تاريخ التسجيل : 26/06/2008

من ضوابط فهم النص الشرعي Empty
مُساهمةموضوع: من ضوابط فهم النص الشرعي   من ضوابط فهم النص الشرعي I_icon_minitimeالأحد يونيو 29, 2008 8:25 pm

من ضوابط فهم النص الشرعي
فهم النص وفق أساليب اللغة العربية وطرقها الدلالية على المعاني
لا بد من فهم ألفاظ النصوص الشرعية وفق أساليب اللغة العربية، وطرق الدلالة فيها على المعاني، وما تدل عليه ألفاظها مفردة ومركَّبة، لأنّ نصوصَ الشريعة - قرآناً وسنّة - جاءت بلسان عربيّ مبين.
فاللغة العربية هي لغة القرآن، وبها نزل. قال سبحانه: {إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ}(يوسف:2)، وهي أيضاً لغة السنة التي جاءت مبيّنة للقرآن. قال تعالى: {وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ(النحل:44)، وقال تعالى: }نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ،عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنذِرِينَ،بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُّبِينٍ} (الشعراء: 193– 195). وقال تعالى: " لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ"(النحل:103). وقال تعالى: "وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآناً أَعْجَمِيّاً لَقَالُوا لَوْلا فُصِّلَتْ آيَاتُهُ أَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدىً وَشِفَاءٌ"(فصلت:44).
فمن البدهي أنْ تكون معرفة مدلولات تلك الألفاظ العربية حسب قواعد اللغة العربية، وإيحاءاتها الدلالية، اللغوية والشرعية والعرفية، فهي السبيل السديد لفهم نصوص الوحي كما أراده الشارع الحكيم، ولأنه لا سبيل إلى تطلّب فهم مدلولات الألفاظ العربية من غير جهة لسان العرب. وألفاظ اللغة العربية ذات دلالات متنوعة، وأساليبها متعددة، ووجوه تصريف القول في اللسان العربي كثيرة، وفي هذا المعنى يقول الشاطبي: "إنّ العرب فيما فطرت عليه من لسانها، تخاطب بالعام يراد به ظاهره، وبالعام يراد به العام في وجه والخاص في وجه، وبالعام يُرَاد به الخاص، والظاهر يراد به غير الظاهر، وكل ذلك يُعرَف من أول الكلام أو وسطه أو آخره، وتتكلّم بالكلام ينبئ أوله عن آخره، أو آخره عن أوله، وتتكلّم بالشيء يُعرف بالمعنى كما يُعرَف بالإشارة، وتُسمِّي الشيء الواحد بأسماء كثيرة والأشياء الكثيرة باسم واحد، وكل هذا معروف عندها، لا ترتاب في شيء منه هي ولا من تعلّق بعلم كلامها، فإذا كان كذلك فالقرآن في معانيه وأساليبه على هذا الترتيب"(الشاطبي: الموافقات).
وذلك يعني أنّ معرفة طرق دلالات الألفاظ على المعاني والأحكام لا بد منها، ليقع الفهم واضحاً، ولئلا تختلط المعاني والمدلولات، فيُسمَّى بعضها باسم آخر منها، فيؤدي ذلك إلى وضع معنى في غير موضعه، فتبطل الحقائق، ويقع الإشكال.
وطرق دلالات اللفظ على المعاني والأحكام هي عبارة عن قواعد أصولية لغوية، مستمدة من طبيعة اللغة العربية، حسبما قرر أئمة اللغة، وقد اعتنى الأصوليون بوضعها وبيانها، بعد استقرائهم أساليب اللغة العربية، واستعمالات الألفاظ في معانيها، ودلالات الألفاظ على المعاني، وجعلوا هذه القواعد موازين وضوابط لفهم العبارة العربية [1].
والإحاطة بهذه القواعد تستلزم الوقوف على أقسام اللفظ - التي لاحظها الفقهاء والأصوليون - بالنسبة للمعنى، ومعرفة ما يندرج تحت كلّ قسمٍ من فروعٍ وتقسيماتٍ، حيث لاحظوا: أنّ اللفظ يوضع للمعنى أولاً الذي وضعه له علماء اللغة، ثم يُستعمل في المعنى الموضوع له أو في غيره، ثم إنّ اللفظ قد تتفاوت دلالته على المعنى من حيث الوضوح والخفاء، لأنّ الألفاظ في وضوح معانيها وخفائها ليست في درجة واحد، ثم إنّ اللفظ يختلف أيضاً في كيفية الدلالة على المعنى المستعمل فيه، سواء كان واضحاً أو خفياً.
ولذلك فإنّ العلاقة بين اللفظ والمعنى عند علماء الأصول، تمت دراستها من أربع جهات، تُعتبر أقساماً لِلَّفْظِ بالنسبة للمعنى، وهي:
- الأولى: من حيث وضع اللفظ للمعنى. واللفظ بهذه الحيثية ثلاثة أنواع: خاص، وعام، ومشترك.
- والثانية: باعتبار استعمال اللفظ في المعنى الموضوع له. ويتفرع اللفظ بهذا الاعتبار إلى: حقيقة، ومجاز، وصريح، وكناية.
- والثالثة: من حيث وضوح المعنى وخفائه من اللفظ المستعمل فيه. وهو بهذا الاعتبار: واضح الدلالة، وغير واضح الدلالة.
وواضح الدلالة أربعة أنواع: ظاهر ونص ومفسر ومحكم[2]. وغير واضح الدلالة أربعة أنواع أيضاً: خفي ومشكل ومجمل ومتشابه.
وأساس هذا التنويع: تفاوت هذه الأنواع في قوة وضوح دلالتها وضعفها، فأقلها وضوحاً: الظاهر، ثم يليه النص، ثم يشتد الوضوح في المفسر، ثم يبلغ ذروته في المحكم. وأقلها خفاء وإبهاماً: الخفي، ثم المشكل، ثم المجمل، ثم المتشابه.
- والجهة الرابعة: باعتبار كيفية دلالة اللفظ على المعنى المستعمَل فيه، أي باعتبار طرق فهم المعنى من اللفظ، سواء كان واضحاً أو خفياً. وبهذا الاعتبار تكون دلالة اللفظ على المعنى: إمّا بطريق عبارة النص، أو إشارة النص، أو فحوى النص (دلالة النص)، أو اقتضاء النص[3].
وقد قسَّم الجمهور - غير الحنفية - القواعد المتعلقة بألفاظ النصوص من جهة إفادتها للمعاني تقسيمات أخرى، حيث قسموا دلالات الألفاظ على مراد المتكلم، أي على الحكم الشرعي إلى قسمين أساسيين هما: المنطوق والمفهوم.
القسم الأول: دلالة المنطوق: وهي دلالة اللفظ على حُكْم شَيء ذُكِرَ في الكلام ونُطِقَ به. وقسموا المنطوق إلى قسمين:
1- المنطوق الصريح: وهو أربعة أنواع: النص، والظاهر، والمؤول، والمجمل.
2- المنطوق غير الصريح: وهو ثلاثة أنواع: دلالة الاقتضاء، ودلالة الإيماء، ودلالة الإشارة. (وتشمل دلالة الاقتضاء والإشارة، والعبارة عند الحنفية).
والقسم الثاني: دلالة المفهوم: وهي دلالة اللفظ على حكم شيء لم يذكر في الكلام ولم ينطق به. ويتفرع المفهوم عندهم إلى مفهومين:
1- مفهوم الموافقة: وهو أنْ يدل اللفظ على مساواة المسكوت عنه للمذكور، في الحكم، وهذا ما يُسمى عند الحنفية (دلالة النص).
2- ومفهوم المخالفة: وهو دلالة الكلام على انتفاء حكم المنطوق عن المسكوت عنه؛ لانتفاء قيد من القيود المُعتبَرَة في الحكم.
وله عدة أنواع أشهرها: مفهوم الصفة، ومفهوم الشرط، ومفهوم الغاية، ومفهوم اللقب، ومفهوم العدد.
ولم يأخذ الحنفية بمفهوم المُخالَفة، وأخذ به الجمهور، ومثاله في السنة قوله صلى الله عليه وسلم: "في سائمة الغنم زكاة"(البخاري). فمفهوم المخالفة أنه لا زكاة في الغنم المعلوفة.
وتفصيل هذه الطرق وأمثلتها مما لا يحتمل المقام التعرض له، فنحن إنما أردنا إعطاء فكرة عامة عن تلك القواعد الأصولية اللغوية التي تعتبر موازين وضوابط لفهم العبارة العربية، ولكلّ منها دراسة مستفيضة في كتب الأصول قديمها وحديثها.
إلاّ أننا في هذا المقام لابد من أن نخصّ بالبيان بعض المسائل الهامة المتعلقة بهذا الموضوع، وهي كما يأتي:
المسألة الأولى: وجوب التأكد من مدلولات ألفاظ النص:
لأنه لا يمكن الاستدلال بالنّص الشرعي إلاّ بعد أنْ نفهم معنى لفظ النّص فهماً صحيحاً، ونتأكد من مدلولاته اللغوية والشرعية والعرفية، وإهمال ذلك يوقع في الغلط وسوء الفهم، ويجعلنا كالذي فَسَّرَ كلمة "الطائر" في قوله:{وَكُلَّ إِنسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَآئِرَهُ فِي عُنُقِهِ } (الإسراء:13). بأنّه العصفور وغيره من الطيور التي عنى بها في حياته.
ذلك أنّ الألفاظ ما هي إلاّ قوالب للمعاني، ووسيلة إلى تحصيل المعنى المراد، والمعنى هو المقصود، بناءً على أنّ العرب إنما كانت عنايتها بالمعاني وإنما أصلحت الألفاظ من أجلها، وهذا الأصل معلوم عند أهل العربية.
وحيث إنّ نصوص القرآن الكريم والسنّة النبوية قد جاءت على ما عهدته العرب في لسانها، فإنه يجب لذلك أنْ يكون الفهم لمعاني الألفاظ على صورتها التي كانت عليها حال نزول الوحي، وأنْ تكون المعاني المستنبطة منضبطة بقواعد اللسان العربي ومواصفاته الدلالية عند نزول النصوص، وأما ما يطرأ من تغيّر في الاستعمال اللغوي للألفاظ بمرور الزمن فلا عبرة به، لأنّ الألفاظ تتغير دلالاتها من عصر لآخر، ومن بيئة لأخرى، وهذا أمر معروف لدى الدارسين لتطور اللغات وألفاظها، وأثر الزمان والمكان فيها. لذلك ينبغي أن يتم الفهم على أساس ما كان، باعتبار أنّ الخطاب ورد عليه، لا على أساس ما آل إليه الأمر.
ومن الأمثلة التي ذكرها العلماء لذلك: كلمة "الصورة والتصوير" التي جاءت في صحاح الأحاديث المتَّفق عليها، وتوعَّدت المصوِّرين بأشدِّ العذاب.
قال بعض العلماء: إنّ المراد بالصورة والتصوير في تلك الأحاديث، ليس هو الشّكل الذي يُلتقط بالكاميرا، ويُسمّى "صورة" ويُسمّى عمل التقاطه "تصويراً"، فإنّ هذا وإنْ تعارف الناس في وقتنا على تسميته بالصورة والتصوير، إلاّ أنّه يختلف عن التصوير المُحرَّم المتوعَّد عليه بالعذاب في الأحاديث، فمن ثمَّ لا يأخذ حكمه.
لأنّ الصورة في عصر النُّبوَّة وما بعده من العصور هي "ما له ظل"، أي التمثال، وعمل التمثال (أي نحته) كان يسمى "تصويراً"، وهو الذي فهمه علماء السلف وحرَّموه في غير لُعَب الأطفال[4].
ولا يَزعم أحد أنّ تسمية صاحب الكاميرا "مصوِّراً"، وتسمية عمله "تصويراً" هي تسمية لغوية، لأنه لا يزعم أحد أنّ العرب حين وضعوا هذه الكلمة خطر ببالهم هذا الأمر، فهي إذن ليست تسمية لغوية، وليست تسمية شرعية أيضاً، لأنّ هذا اللون من الفنّ لم يُعرف في عصر التشريع، فلا يُتصور أن يُطلق عليه لفظ "مصوِّر" وهو غير موجود، وهذا يعني أنّ تسمية هذا الفن باسم "التصوير الفوتوغرافي" هي تسمية عُرفية، وكان يمكن أن يُسمّوه شيئاً آخر يصطلحون عليه، كتسمية أهل قَطَر والخليج الذين يُسمّون التصوير "العكس"، ويسمون من يقوم به "العكَّاس" [5].
ولذلك يرى كثير من العلماء أنّ التصوير جائز، على أساس أنّ التحريم جاء في أيام الوثنية، لأنّ الصور كانت تُعمل في ذلك الوقت لغرض التبرك والعبادة، وهذا يتنافى مع ما جاء به الإسلام من التوحيد، فنهى عن التصوير، وبعد أن توطدت للإسلام أركانه ودعائمه زال هذا العارض، وأصبح المقصود من التصوير منافع شتى، والعقيدة الإسلامية لا تقف في وجه وسيلة ما، ينبغي من ورائها خير البشرية، ما دام لا خطر فيها على الدين أو العقيدة.
فلا يُمنَع من تصوير ما فيه فائدة متحققة دون أن يقترن بها ضرر ما[6]. مثل التصوير الذي يُحتاج إليه في الطب والجغرافيا والنواحي الأمنية. فهو جائز، بل قد يكون بعضه واجباً في بعض الأحيان. وعلى هذا يجوز التصوير واقتنائه إذا ترتبت من وراء ذلك مصلحة تربوية تعني على تهذيب النفس وتثقيفها وتعليمها.
بل إنّ بعض العلماء يرى حتى جواز عمل التماثيل للضرورة كتعليم الطب والتشريح، لأنّ الأمور بمقاصدها. فالتماثيل عندما لم تكن مظنة للشرك، ولا سبيلاً لتعظيم غير الله كانت من نعم الله سبحانه وتعالى على سليمان عليه السلام، "يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاءُ مِنْ مَحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ وَقُدُورٍ رَاسِيَاتٍ اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِي الشَّكُورُ"(سبأ:13).
وعندما كانت أصناماً تُعبَد، يحطمها إبراهيم عليه السلام، "إِذْ قَالَ لأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ"(الأنبياء:52). وعندما عبدها العرب حطمها رسول الله. وبالتالي فإنّ الأمر يعود إلى مقاصد هذا الفن فالأمور بمقاصدها.
المسألة الثانية: فهم النص في ضوء دلالة لفظه ومعقوله:
لا بد في فهم النص الشرعي وتفسيره واستنباط الأحكام منه أنْ يُنظر إلى النّص في ضوء دلالة لفظه ومعقوله. ذلك أنّ النصوص الشرعية إمّا أنْ تدل على الحُكم بلفظها بطريق من طرق الدلالة المختلفة، وإمّا أن تدل على الحُكم بمعقولها ومعناها، أي بواسطة ‎‎ما‏‏ ‎‎يعقل‏‏ ‎‎منها من‏‏ ‎‎العلل‏‏ ‎‎والحِكَم‏‏ ‎‎والمصالح‏‏ ‎‎التي‏‏ ‎‎جاءت‏‏ ‎‎النصوص‏‏ ‎‎لتحقيقها‏‏ ‎‎وحمايتها‏‏.
فقوله‏‏ ‎‎تعالى‏‏: }فَلاَ تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ } (الإسراء:23). يدل‏‏ ‎‎بلفظه‏‏ ‎‎على‏‏ ‎‎حرمة‏‏ ‎‎التأفيف‏‏، ‎‎ويدل‏‏ ‎‎بمعقوله‏‏ ‎‎على‏‏ ‎‎حرمة‏‏ ‎‎ما‏‏ ‎‎عدا‏‏ ‎‎التأفيف‏‏ ‎‎من‏‏ ‎‎وجوه‏‏ ‎‎الأذى‏‏ ‎‎كالضرب‏‏ ‎‎والشتم‏‏ ‎‎وغير‏‏ ‎‎ذلك‏‏. ‎‎ذلك‏‏ ‎‎أنّ‏‏ ‎‎مناط‏‏ ‎‎الحرمة‏‏ ‎‎والسبب‏‏ ‎‎الذي‏‏ ‎‎بنيت‏‏ ‎‎عليه‏‏ ‎‎ليس‏‏ ‎‎هو‏‏ ‎‎القول‏‏ «‎‎أّفّ‏‏» ‎‎باعتباره‏‏ ‎‎قولاً‏‏ ‎‎مجردًا‏‏ ‎‎عن‏‏ ‎‎المعنى، ‎‎بل‏‏ ‎‎باعتباره‏‏ ‎‎معنى ‎‎يحمل‏‏ ‎‎الأذى‏‏ ‎‎ويجرح‏‏ ‎‎مشاعر‏‏ ‎‎الوالدين‏‏، ‎‎وإذا‏‏ ‎‎كان‏‏ ‎‎هذا‏‏ ‎‎هو‏‏ ‎‎مناط‏‏ ‎‎الحرمة‏‏ ‎‎المعقول‏‏ ‎‎من‏‏ ‎‎النص‏‏، ‎‎كانت‏‏ ‎‎وجوه‏‏ ‎‎الأذى‏‏ ‎‎الأخرى‏‏ - ‎‎كالضرب‏‏ ‎‎وغيره‏‏ ‎‎- كلها‏‏ ‎‎سواء‏‏ ‎‎في‏‏ ‎‎دلالة‏‏ ‎‎النص‏‏ ‎‎عليها[7]، ‎‎وإنْ‏‏ ‎‎كانت‏‏ ‎‎دلالته‏‏ ‎‎على‏‏ ‎‎بعضها‏‏ ‎‎كقول‏‏ ‎‎أّف‏‏ ‎‎بطريق‏‏ ‎‎اللفظ‏‏‎‎،‏‏ ‎‎ودلالته‏‏ ‎‎على‏‏ ‎‎البعض‏‏ ‎‎الآخر‏‏ - ‎‎كالضرب‏‏ ‎‎والشتم‏‏ ‎‎ووجوه‏‏ ‎‎الأذى‏‏ ‎‎الأخرى‏‏ - ‎‎بطريق‏‏ ‎‎المعقول‏‏‎‎. فكأنّ نص الآية نهى عن كل ما يجرح مشاعر الوالدين ويحمل الأذى لهما، وجعل التأفيف مثالاً لذلك.
وكذلك قوله صلى الله عليه وسلم: "لا يقضي القاضي وهو غضبان"(متفق عليه). يدل بلفظه على امتناع القضاء مع الغضب، ويدل بمعقوله على امتناعه مع غيره مما يشوش ذهن القاضي ويمنعه من تدقيق النظر، كشدة الجوع والعطش والحَرّ والبرد والخوف، ذلك أنّ مناط امتناع القضاء ليس هو الغضب لذاته، بل لما يشتمل عليه من تأثير في نفس القاضي، فكأنّ الحديث نهى عن القضاء مع كل مشوش، وجعل الغضب مثالاً لذلك، وهذا هو الذي يُسمَّى القياس، ‎‎وكذلك‏‏ ‎‎يقال‏‏ ‎‎في‏‏ ‎‎كل‏‏ ‎‎أمثلته.
فالقياس عند التحقيق وتدقيق النظر استدلال بمعقول النص وليس شيئاً زائداً على النصوص ‎‎ولا‏‏ ‎‎مخالفاً‏‏ ‎‎لها.
وما قيل بالنسبة للقياس يقال مثله بالنسبة للمصلحة المرسلة وذلك أنّ القياس إذا كان استدلالاً بمعقول نص واحد، فإنّ المصلحة المرسلة استدلال بمعقول جملة نصوص.
فجمع الصحابة ما تفرق من القرآن الكريم - وهو من باب المصالح المرسلة - يرجع إلى معقول عدّة نصوص تفيد وجوب هذا الحكم ولزومه، أي أنّ مصلحة جمع القرآن ممّا يدخل تحت أصل كلّي قامت نصوص الشريعة على اعتباره ووجوب الرجوع إليه، هذا الأصل هو "حفظ الدِّين".
فالفقيه يقول: جمع الصحابة ما تفرق من القرآن الكريم من الرِّقاع والعُسُب واللِّخاف[8]، وجعله في مكان واحد يحفظ الدين، وحفظ الدين واجب، فجمع القرآن الكريم واجب.
أمّا أنّ جمع ما تفرق من القرآن الكريم وجعله في مكان واحد يحفظ الدين فدليله أننا لو لم نجمع ما تفرق من القرآن الكريم ونجعله في مكان واحد لضاع القرآن الكريم أو بعضه بموت حفظته في حروب الأعداء، وبضياع القرآن يضيع أصل ضروري من الأصول الكلِّية الخمسة، وهو "الدِّين"، إذ أنَّ حفظ الدين يكون بحفظ كتابه، فضياعه أو ضياع بعضه الذي يحصل بسبب عدم الجمع يؤدي إلى فوات مصلحة ضرورية هي مصلحة "حفظ الدين"، فإذن الجمع المؤدي إلى حفظ الضروري يجوز بناءً على هذه المصلحة.
وأما أنّ حفظ الدين واجب: فهو مقطوع به، حيث إنّ حفظ‏‏ ‎‎الدين‏‏ ‎‎ثابت‏‏ ‎‎بنصوص‏‏ شرعية كثيرة تفوق الحصر.

فالمصلحة الكلية: وهي حفظ الدين مقطوع بها باستقراء النصوص، والمصلحة الجزئية: وهي جمع ما تفرق من القرآن مما يدخل تحت هذه المصلحة الكلية، وعلى ذلك فالحكم الذي معنا، وهو وجوب جمع ما تفرق من القرآن ليس إلاّ استدلالاً بمعقول النصوص التي أوجبت حفظ الدين.
وعليه فما سمّاه الأصوليون مصلحة مرسلة هو في الحقيقة طريقة خاصة من طرق الاستدلال بالنصوص، وهي الاستدلال بمعقول جملة نصوص، كما أنّ القياس استدلال بمعقول نص واحد [9].
وإنّ المتتبِّع لفقه أئمة المذاهب الفقهية يجدهم جميعاً يأخذون بطريقة الاستدلال هذه، ويفرعون‏‏ ‎‎على‏‏ ‎‎أساسها‏‏، باعتبارها طريقًا من طرق الاستدلال بالنصوص، ‎‎وإن‏‏ ‎‎لم‏‏ ‎‎يُسمِّها‏‏ ‎‎البعض مصلحة مرسلة، ‎‎تشهد‏‏ ‎‎بذلك‏‏ ‎‎الفروع‏‏ ‎‎الفقهية‏‏ ‎‎الواردة‏‏ ‎‎في‏‏ ‎‎كتبهم‏‏، ولكن‏‏ ‎‎لا‏‏ ‎‎تشهد‏‏ ‎‎عباراتهم‏‏ ‎‎بذلك‏‏ ‎‎صراحة‏‏‎‎، لأنهم‏‏ ‎‎يَعدّون‏‏ ‎‎هذا‏‏ ‎‎الأصل‏‏ ‎‎طريقة‏‏ ‎‎استدلال‏‏ ‎‎معينة‏‏ - ترجع في حال التطبيق إلى الأدلة الأصلية أو المتفق عليها - ‎‎لا‏‏ ‎‎دليلاً‏‏ ‎‎مستقلاً‏‏ ‎‎بذاته‏‏.
ومن ثَمّ فإنه لا يسع أحداً أنْ ينكر هذه الطريقة، لأنّ إنكارها تعطيل للنصوص، ووقوف عند حرفيتها، وإهدار لقاعدة أجمعت عليها الأمة، وهي أنّ نصوص الشريعة جاءت لتحقيق مصالح العباد ودفع الضرر والأذى عنهم، يقول‏‏ ‎‎الشاطبي: «‎‎إنّ‏‏ ‎‎القاعدة‏‏ ‎‎المقررة‏‏ ‎‎أنّ‏‏ ‎‎الشرائع‏‏ ‎‎إنما‏‏ ‎‎جيء‏‏ ‎‎بها‏‏ ‎‎لمصالح‏‏ ‎‎العباد‏‏، ‎‎فالأمر‏‏ ‎‎والنهي‏‏ ‎‎والتخيير‏‏ ‎‎جميعًا‏‏ ‎‎راجعة‏‏ ‎‎إلى‏‏ ‎‎حَظ‏‏ ‎‎المكلف‏‏ ‎‎ومصالحه‏‏‎‎، لأنّ‏‏ ‎‎الله‏‏ ‎‎غني‏‏ ‎‎عن‏‏ ‎‎الحظوظ‏‏ ‎‎منزّه‏‏ ‎‎عن‏‏ ‎‎الأغراض‏‏».
فالمصلحة المرسلة هي المصلحة التي تستند إلى كلّيّ الشرع،‏‏ ‎‎وإنْ‏‏ ‎‎لم‏‏ ‎‎تكن‏‏ ‎‎مستندة‏‏ ‎‎إلى‏‏ ‎‎الجزئيات‏‏ ‎‎الخاصة‏‏ ‎‎المُعَيَّنَة، وتندرج تحت مفهوم القياس على النصوص الشرعية عند العلماء المتقدمين، أي هي المصلحة التي شهدت النصوص لجنسها، بمعنى أنّها ‎‎تدخل‏‏ ‎‎تحت‏‏ ‎‎أصل‏‏ ‎‎شهدت‏‏ ‎‎له‏‏ ‎‎النصوص‏‏ بالجملة، ‎‎وقامت‏‏ ‎‎عليه‏‏ ‎‎الأدلة‏‏، ‎‎وليست‏‏ ‎‎مصلحة‏‏ ‎‎حكم‏‏ ‎‎بها‏‏ ‎‎العقل‏‏ المجرّد ‎‎وحده‏‏، حتى ‎‎تكون‏‏ ‎‎شرعاً‏‏ ‎‎بالرأي‏‏ ‎‎أو‏‏ ‎‎تفريعًا‏‏ ‎‎بالهوى.
ومما يجدر التنبيه إليه هنا: هو أنه ‎‎لا‏‏ ‎‎يترك‏‏ ‎‎أحد‏‏ ‎‎من‏‏ أئمة الفقه ‎‎النصوص‏‏ ‎‎الشرعية‏‏ ‎‎بالمصلحة‏‏ ‎‎المجردة‏‏ ‎‎و‏‏‎‎يقدمها‏‏ ‎‎على‏‏ ‎‎النصوص‏‏، كما ظن البعض بالإمام مالك، ‎‎ذلك‏‏ ‎‎أننا‏‏ ‎‎قد‏‏ ‎‎رأينا‏‏ ‎‎أنّ‏‏ ‎‎المصلحة‏‏ ‎‎المرسلة‏‏ ‎‎التي‏‏ ‎‎يحتج‏‏ ‎‎بها‏‏ ‎‎هؤلاء‏‏ ‎‎الأئمة‏‏ ‎‎هي‏‏ ‎‎المصلحة‏‏ ‎‎الملائمة‏‏ ‎‎لجنس‏‏ ‎‎تصرفات‏‏ ‎‎الشرع‏‏ - ‎‎أي‏‏ ‎‎التي‏‏ ‎‎تشهد‏‏ ‎‎لها‏‏ ‎‎جملة‏‏ ‎‎نصوص‏‏ ‎‎تفوق‏‏ ‎‎الحصر‏‏ - ‎‎فإذا‏‏ ‎‎نُقل‏‏ ‎‎عن‏‏ ‎‎إمام‏‏ ‎‎منهم‏‏ ‎‎تخصيص‏‏ ‎‎النص‏‏ بالمصلحة‏‏، ‎‎فإنّ‏‏ ‎‎المخصص‏‏ ‎‎لهذا‏‏ ‎‎النص‏‏ ‎‎هو‏‏ ‎‎النصوص‏‏ ‎‎التي‏‏ ‎‎شهدت‏‏ ‎‎لجنس‏‏ المصلحة‏‏ ‎‎بالاعتبار‏‏، ‎‎فهو‏‏ ‎‎في‏‏ ‎‎الواقع‏‏ ‎‎طبق‏‏ ‎‎قواعد‏‏ ‎‎الترجيح‏‏ ‎‎بين‏‏ ‎‎الأدلة‏‏ ‎‎على‏‏ ‎‎تعارض‏‏ ‎‎المصلحة‏‏ ‎‎المرسلة‏‏ - ‎‎المستفادة‏‏ ‎‎من‏‏ ‎‎معقول‏‏ ‎‎نصوص‏‏ ‎‎شرعية‏‏ ‎‎كثيرة‏‏ ‎‎لا‏ تنحصر‏‏ - ‎‎مع‏‏ ‎‎معنى ‎‎نص‏‏ جزئي ‎‎معيّن‏‏‎‎،‏‏ ‎‎ولا‏‏ ‎‎ضير‏‏ ‎‎في‏‏ ‎‎أنْ‏‏ ‎‎يُخصّ‏‏ ‎‎نص‏‏ ‎‎أو‏‏ يُقيَّد ‎‎بجملة‏‏ ‎‎نصوص‏‏ ‎‎اجتمعت‏‏ ‎‎على‏‏ ‎‎معنى ‎‎واحد‏‏ ‎‎حتى ‎‎أفادت‏‏ ‎‎فيه‏‏ ‎‎القطع‏‏‎‎.
‎‎وفي‏‏ ‎‎هذا‏‏ ‎‎المعنى ‎‎يقول ‎‎الإمام‏‏ ‎‎الغزالي: "وإذا‏‏ ‎‎فسرنا‏‏ ‎‎المصلحة‏‏ ‎‎بالمحافظة‏‏ ‎‎على‏‏ ‎‎مقصود‏‏ ‎‎الشرع‏‏، فلا‏‏ ‎‎وجه‏‏ ‎‎للخلاف‏‏ ‎‎في‏‏ ‎‎اتباعها‏‏ ‎‎بل‏‏ ‎‎يجب‏‏ ‎‎القطع‏‏ ‎‎بكونها‏‏ ‎‎حجة‏‏‎‎،‏‏ ‎‎وحيث‏‏ ‎‎ذكرنا‏‏ ‎‎خلافًا‏‏ ‎‎فذلك‏‏ ‎‎عند‏‏ ‎‎تعارض‏‏ ‎‎مصلحتين‏‏ ‎‎ومقصودين‏‏، ‎‎وعند‏‏ ‎‎ذلك‏‏ ‎‎يجب‏‏ ‎‎ترجيح‏‏ ‎‎الأقوى".‏‏
ويقول إمام‏‏ ‎‎الحرمين‏‏ الجويني: "‎‎ولا‏‏ ‎‎يجوز‏‏ ‎‎التعلق‏‏ ‎‎عندنا‏‏ ‎‎بكل‏‏ ‎‎مصلحة‏‏‎‎،‏‏ ‎‎ولم‏‏ ‎‎يَرَ ‎‎ذلك‏‏ ‎‎أحد‏‏ ‎‎من‏‏ ‎‎العلماء‏‏،‏‏ ‎‎ومن‏‏ ‎‎ظن‏‏ ‎‎ذلك‏‏ ‎‎بمالك‏‏ ‎‎رضي ‎‎الله‏‏ ‎‎عنه‏‏ ‎‎فقد‏‏ ‎‎أخطأ‏‏،‏‏ ‎‎فإنه‏‏ ‎‎قد‏‏ ‎‎اتخذ‏‏ ‎‎من‏‏ ‎‎أقضية ‎‎الصحابة‏‏ ‎‎‎‎أصولاً‏‏ ‎‎وشبّه‏‏ ‎‎بها‏‏ ‎‎مأخذ‏‏ ‎‎الوقائع‏‏"
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://elsafy7.yoo7.com
 
من ضوابط فهم النص الشرعي
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
مــنــتــدى مـــلـــتـــقــى الأحـــبــاب دعــــوة بــــــلا حــــــدود :: المنتديات المتخصصة :: المنتدى القانوني-
انتقل الى: