ما حكم الدين في زيارة النساء للقبور، وبخاصة عند التزام جميع الآداب وعند إرادة الاتعاظ والخشوع ؟
الجواب
إن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أولا عن زيارة القبور، قطعا لما كان عليه أهل الجاهلية من التفاخر بزيارتها لتعداد مآثر من فيها من الآباء والأجداد، الذي يشير إليه قوله تعالى {ألهاكم التكاثر . حتى زرتم المقابر } التكاثر: 1 ، 2 ، ثم رخص لهم بعد في زيارتها لتذكر الموت والاستعداد للحياة الآخرة ، كما بينه الحديث الذي رواه ابن ماجه بسند صحيح "كنت نهيتكم عن زيارة القبور ، فزوروا القبور فإنها تزهد في الدنيا وتذكر الآخرة" وغير ذلك من الأحاديث التى رواها مسلم وغيره في هذا المقام .
وأجمع المسلمون على استحباب زيارة القبور، وأوجبها الظاهرية ، غير أنهم قالوا : إن ذلك خاص للرجال دون النساء ، لكن لما رأى النبي صلى الله عليه وسلم ما في خروجهن من مفاسد نهاهن عنها ، واستمر الإذن للرجال ، وقال آخرون : إن النهى عن زيارتهن كان سابقا للنهى العام عن زيارة القبور. ثم جاء الإذن للرجال ، وبقى المنع مستمرا بالنسبة لهن .
ومهما يكن من شىء فإن فى زيارتهن أقوالا تتلخص فيما بأتى :
1 -التحريم مطلقا، سواء كانت هناك فتنة أو مفسدة عند زيارتهن أم لا، ودليله حديث "لعن اللَّه زوارات القبور" رواه الترمذى وقال : حديث حسن صحيح ، ولكن القرطبى قال يحتمل أن الحرمة منصبة على الكثرة، أخذا من التعبير بلفظ "زوارات " وهو صيغة مبالغة .
2 - التحريم عند خوف الفتنة أو المفسدة . وبهذا يحرم على الشابات زيارة القبور وكذلك على غيرهن إذا كن بزينة أو شيء يلفت إليهن الأنظار، وتجوز للعجائز اللاتي لا يفتتن بهن ، إلا إذا صاحبها شيء محرم كالنياحة وغيرها مما نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله " ليس منا من لطم الخدود وشق الجيوب ودعا بدعوى الجاهلية" رواه البخاري ومسلم وغيرهما .
والنساء لا يستطعن التخلص بسهولة من هذه العادات الشنيعة، ففي حديث أم عطية : أخذ علينا النبي صلى الله عليه وسلم عند البيعة ألا ننوح ، فما وفت امرأة منا غير خمس نسوة... رواه البخاري . ولما بكى نساء جعفر ابن أبي طالب عليه لما استشهد أمر النبي صلى الله عليه وسلم رجلاً أن ينهاهن فلم يطعن الرجل مرتين ، فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يحثو في أفواههن التراب ، رواه البخاري .
3 - الكراهة ، ودليلها القياس على اتباع الجنائز، الذي ورد فيه حديث أم عطية أيضًا : نهينا عن اتباع الجنائز ولم يعزم علينا . رواه البخاري ومسلم وغيرهما .
4 - الإباحة ، ودليلها عدم إنكار النبي صلى الله عليه وسلم على عائشة عندما ذهبت إلى البقيع -وهو مقبرة المسلمين -وعلمها ما تقوله عند زيارة القبور وهو"السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين ، ويرحم اللَّه المستقدمين منا والمستأخرين ، وإنا إن شاء اللَّه بكم لاحقون " رواه مسلم :
كما أن النبي صلى الله عليه وسلم مر على امرأة تبكى عند القبر فأمرها بالتقوى والصبر، ونهاها عن البكاء لأنه سمع منها ما يكره من نوح وغيره ، ولم ينهها عن أصل الزيارة .
5 - الاستحباب ، كما هي مستحبة للرجال ، ودليلها عموم الإذن بالزيارة في قوله صلى الله عليه وسلم "فزروها" .
والآراء الثلاثة الأخيرة محلها عند أمن الفتنة والمفسدة ، وإلا حرمت الزيارة ، وبهذا يعلم جواب السؤال ، وإن كنت أميل إلى كراهة زيارتهن على الرغم من عدم وجود محرم محظور ، كالسفور والنياحة واللطم والجلوس على القبر والمبيت عنده وما إلى ذلك ، فإن الأولى للمرأة أن تستقر في بينها لا تغادره إلا لضرورة أو حاجة ملحة ، صيانة لها من الفساد