( فَوَائِدُ تَتَعَلَّقُ بِآدَابِ الْمُفْتِي ) أَدَبُ الْمُفْتِي أَنْ لَا يَقُولَ يُصَدَّقُ دِيَانَةً لِأَنَّهُ تَعْلِيمٌ بَلْ أَدَبُهُ أَنْ يَقُولَ لَا يُصَدَّقُ بَزَّازِيَّةٌ مِنْ ثَانِي الْأَيْمَانِ الْوَاجِبُ عَلَى الْمُفْتِي فِي هَذَا الزَّمَانِ الْمُبَالَغَةُ فِي إيضَاحِ الْجَوَابِ لِغَلَبَةِ الْجَهْلِ فَتَاوَى ابْنِ الشَّلَبِيِّ مِنْ الْحُدُودِ وَالتَّعْزِيرِ .
وَفِي الْقُنْيَةِ : لَيْسَ لِلْمُفْتِي وَلَا لِلْقَاضِي أَنْ يَحْكُمَا عَلَى ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ وَيَتْرُكَا الْعُرْفَ وَنَقَلَهُ عَنْهُ فِي خِزَانَةِ الرِّوَايَاتِ بِيرِيٌّ عَلَى الْأَشْبَاهِ مِنْ الْقَاعِدَةِ السَّادِسَةِ ثُمَّ قَالَ وَأَصْلُهَا قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { مَا رَآهُ الْمُسْلِمُونَ حَسَنًا فَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ حَسَنٌ } ا هـ .
( أَقُولُ ) لَكِنْ صَرَّحُوا بِأَنَّ الْعُرْفَ الْمُخَالِفَ لِلنَّصِّ لَا يُعْتَبَرُ وَبِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ بَيْعُ الشُّرْبِ مَقْصُودًا وَإِنْ تُعُورِفَ وَلَعَلَّ هَذَا مَحْمُولٌ عَلَى بَعْضِ مَسَائِلَ كَمَسَائِلِ الْمُزَارَعَةِ وَالْمُسَاقَاةِ الَّتِي ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ عَنْ الْإِمَامِ عَدَمُ جَوَازِهَا وَالْفَتْوَى عَلَى الْجَوَازِ لِلتَّعَامُلِ وَكَوَقْفِ الْمَنْقُولِ وَكَبَعْضِ أَلْفَاظِ الْأَيْمَانِ الْمَبْنِيَّةِ عَلَى عُرْفِ الْمُتَقَدِّمِينَ فَإِنَّهُ لَا يَلْتَزِمُ فِيهَا عُرْفُهُمْ بَلْ تَجْرِي عَلَى كُلِّ عُرْفٍ حَادِثٍ تَأَمَّلْ .
قَالَ ابْنُ الشِّحْنَةِ فِي شَرْحِ الْمَنْظُومَةِ كُلُّ مَا فِي الْقُنْيَةِ مُخَالِفًا لِلْقَوَاعِدِ لَا الْتِفَاتَ إلَيْهِ وَلَا عَمَلَ عَلَيْهِ مَا لَمْ يُعَضِّدْهُ نَقْلٌ مِنْ غَيْرِهِ وَفِي حُسَامِ الْحُكَّامِ الْمُحَقِّقِينَ لِلشُّرُنْبُلَالِيِّ وَقَدْ أَفَادَنِي أُسْتَاذِي وَنَبَّهَنِي بِقَوْلِهِ : إنَّ فَتْوَى مِثْلِ هَؤُلَاءِ الْأَكَابِرِ وَأَضْرَابِهِمْ شَأْنُهَا النَّظَرُ فِيهَا مِنْ غَيْرِ تَقْلِيدٍ وَإِفْتَاءٍ بِمَا فِيهَا مِنْ غَيْرِ إحَاطَةٍ بِحُكْمِهَا مِنْ كُتُبِ الْمَذْهَبِ الْمُعْتَمَدَةِ فَإِنَّ مَقَامَ الْإِفْتَاءِ خَطَرٌ وَقَدْ يَظُنُّ الْإِنْسَانُ أَنَّهُ فَهِمَ الْمَسْأَلَةَ عَلَى حَقِيقَتِهَا وَالْأَمْرُ بِخِلَافِهِ أَوْ يُشْتَبَهُ عَلَيْهِ حِفْظُهُ فَيُخْطِئُ وَلِذَلِكَ إذَا حَقَقْت كَثِيرًا مِنْ الْفَتَاوَى الْمَجْمُوعَةِ مِنْ أَصْحَابِنَا فَضْلًا عَنْ الَّتِي جَمَعَهَا غَيْرُهُمْ عَنْهُمْ تَجِدُ النَّصَّ فِي الْمَذْهَبِ بِخِلَافِهَا .
وَكَانَ أُسْتَاذِي الثَّانِي إذَا جَاءَتْهُ فَتْوَى يَأْمُرُنِي بِالنَّظَرِ فِيهَا وَيَقُولُ لِطَالِبِهَا إمَّا أَنْ تَصْبِرَ حَتَّى نُرَاجِعَ النَّقْلَ أَوْ خُذْهَا ثُمَّ يَقُولُ لِي أَنَا أَعْرِفُ الْحُكْمَ فِي هَذَا كَمَا أَعْرِفُك وَأَعْرِفُ الشَّمْسَ وَلَكِنْ لَا بُدَّ مِنْ مُرَاجَعَةِ النَّقْلِ لِاحْتِمَالِ الْخِلَافِ وَنَحْوِهِ مَا الَّذِي يَسَعُنِي مِنْ اللَّهِ تَعَالَى أَنْ أَقُولَ هَذَا يَسْتَحِقُّ وَهَذَا لَا يَسْتَحِقُّ وَهَذَا يَجُوزُ وَهَذَا لَا يَجُوزُ إلَّا بَعْدَ النَّظَرِ وَالْحُكْمِ لِقَائِلِهِ مِنْ أَئِمَّةِ الْمَذْهَبِ رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى ا هـ الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِمْ يُدَيَّنُ دَيَّانَةً لَا قَضَاءً أَنَّهُ إذَا اسْتَفْتَى فَقِيهًا يُجِيبُهُ عَلَى وَفْقِ مَا نَوَى وَلَكِنَّ الْقَاضِيَ يَحْكُمُ عَلَيْهِ بِوَفْقِ كَلَامِهِ وَلَا يَلْتَفِتُ إلَى نِيَّتِهِ إذَا كَانَ فِيمَا نَوَى تَخْفِيفٌ عَلَيْهِ كَمَا لَوْ قَالَ عَلَيَّ لِفُلَانٍ أَلْفُ دِرْهَمٍ وَقَدْ قَضَيْته هَلْ بَرِئْت مِنْ دَيْنِهِ يُفْتِيهِ بِالْبَرَاءَةِ وَإِذَا سَمِعَ الْقَاضِي ذَلِكَ مِنْهُ يَقْضِي عَلَيْهِ بِالدَّيْنِ إلَّا أَنْ يُقِيمَ بَيِّنَةً عَلَى الْإِيفَاءِ شَرْحُ مُخْتَصَرِ الْأَخْسِيكَثِيِّ لِلشَّيْخِ عَبْدِ الْقَادِرِ الْبُخَارِيِّ مِنْ الْقِسْمِ الثَّالِثِ مِنْ بَحْثِ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ دَلَّ عَلَى أَنَّ الْجَاهِلَ لَا يُمْكِنُهُ الْقَضَاءُ بِالْفَتْوَى أَيْضًا فَلَا بُدَّ مِنْ كَوْنِ الْقَاضِي عَالِمًا دَيِّنًا أَيْنَ الْكَبِيرَاتُ وَأَيْنَ الْعِلْمُ بَزَّازِيَّةٌ فِي الثَّانِي وَالْعِشْرِينَ مِنْ الْأَيْمَانِ .
( أَقُولُ ) وَلِذَا جَرَى الْعُرْفُ فِي زَمَانِنَا أَنَّ الْمُفْتِيَ لَا يَكْتُبُ لِلْمُسْتَفْتِي مَا يَدِينُ بِهِ بَلْ يُجِيبُهُ عَنْهُ بِاللِّسَانِ فَقَطْ لِئَلَّا يَحْكُمَ لَهُ الْقَاضِي لِغَلَبَةِ الْجَهْلِ عَلَى قُضَاةِ زَمَانِنَا مِنْ أَدَبِ الْمُفْتِي أَنْ لَا يَكْتُبَ فِي الْوَاقِعَةِ عَلَى مَا يَعْلَمُهُ بَلْ عَلَى مَا فِي السُّؤَالِ إلَّا أَنْ يَقُولَ إنْ كَانَ كَذَا فَحُكْمُهُ كَذَا ذَكَرَهُ ابْنُ حَجَرٍ فِي كِتَابِ الْمُسْتَعْذَبِ وَهَذَا فِي زَمَانِنَا مُشْكِلٌ لِكَثْرَةِ الْحِيَلِ الَّتِي تَقَعُ فِي كِتَابَةِ الْأَسْئِلَةِ وَلِكَثْرَةِ الْجَهْلِ وَالْبَغْيِ بِحَيْثُ إنَّ بَعْضَ الْمُبْطِلِينَ إذَا صَارَ بِيَدِهِ فَتْوَى صَالَ بِهَا عَلَى خَصْمِهِ وَقَالَ الْمُفْتِي أَفْتِي لِي عَلَيْك بِكَذَا وَالْجَاهِلُ أَوْ ضَعِيفُ الْحَالِ لَا يُمْكِنُهُ مُنَازَعَتُهُ فِي كَوْنِ نَصِّهِ مُطَابِقًا أَوْ لَا ا هـ مِنْ خَطِّ شَيْخِ مَشَايِخِنَا الشَّيْخِ عَبْدِ الْقَادِرِ الصَّفُّورِيُّ الشَّافِعِيُّ .
( أَقُولُ ) إذَا عَلِمَ الْمُفْتِي حَقِيقَةَ الْأَمْرِ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ لَا يَكْتُبَ لِلسَّائِلِ لِئَلَّا يَكُونَ مُعِينًا لَهُ عَلَى الْبَاطِلِ لَفْظُ الْفَتْوَى آكَدُ مِنْ لَفْظِ الصَّحِيحِ وَالْأَصَحُّ وَالْأَشْبَهُ وَغَيْرُهَا خَيْرِيَّةٌ مِنْ مَسَائِلَ شَتَّى وَفِيهَا مِنْ الْكَفَالَةِ وَالصَّحِيحُ لَا يُدْفَعُ قَوْلُ صَاحِبِ الْمُحِيطِ هَذَا هُوَ الْأَصَحُّ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى ا هـ مَعْنَى الْأَشْبَهِ أَنَّهُ أَشْبَهُ بِالْمَنْصُوصِ رِوَايَةً وَالرَّاجِحِ دِرَايَةً فَيَكُونُ عَلَيْهِ الْفَتْوَى بَزَّازِيَّةٌ مَتَى اخْتَلَفَ فِي الْمَسْأَلَةِ فَالْعِبْرَةُ بِمَا قَالَهُ الْأَكْثَرُ بِيرِيٌّ مِنْ قَاعِدَةِ الْأَصْلِ الْحَقِيقَةِ .